الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول ***
وحوض خير الخلق حق وبه *** يشرب في الأخرى جميع حزبه (وحوض خير الخلق) نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهو الكوثر الذي أعطاه ربه عز وجل (حق) لا مرية فيه (وبه) بالحوض (يشرب) أي يروى ولذا عَدَّى بالباء دون من لتضمن الشرب هاهنا معنى الري (في الأخرى) أي في الدار الآخرة (وجميع حزبه) وهم أمة الإجابة الذين آمنوا به وصدقوه واتبعوا النور الذي أنزله معه، قال الله تبارك وتعالى بسم الله الرحمن الرحيم: (إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر) (الكوثر: 1- 3). وروى البخاري بسنده إلى أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في الكوثر: هو الخير الذي أعطاه الله إياه. قال أبو بشر قلت لسعيد بن جبير: فإن الناس يزعمون أنه نهر في الجنة. فقال سعيد: النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه. ا. هـ. وقد ورد في ذكر الحوض وتفسير الكوثر به وإثباته وصفته من طرق جماعة من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم، واشتهر واستفاض بل تواتر في كتب السنة من الصحاح والحسان والمسانيد والسنن، فممن روى ذلك عنه من الصحابة أنس بن مالك وعبد الله بن عمر وحارثة بن وهب وجندب بن عبد الله وسهل بن سعد وعائشة وعقبة بن عامر وعبد الله بن مسعود وأبو هريرة وعبد الله بن عمرو وابن عباس وأسماء بنت أبي بكر وثوبان وأبو ذر وأم سلمة وجابر بن سمرة وزيد بن أرقم وسمرة بن جندب وحذيفة وأبو برزة الأسلمي والمستورد بن شداد وأبو سعيد الخدري وعبد الله بن زيد وأسامة بن زيد. فأما عن أنس بن مالك فقال البخاري رحمه الله تعالى: حدثنا آدم حدثنا شيبان حدثنا قتادة عن أنس رضي الله عنه قال: لما عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء قال: " أتيت على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال هذا الكوثر ". وقال رحمه الله تعالى: حدثنا أبو الوليد حدثنا همام عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم. وحدثنا هدبة بن خالد حدثنا همام حدثنا قتادة حدثنا أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " بينما أنا أسير في الجنة إذ أنا بنهر حافتاه قباب الدر المجوف، قلت ما هذا يا جبريل؟ قال هذا الكوثر الذي أعطاك ربك، فإذا طينه- أو طيبه- مسك أذفر ". شك هدبة. وقال رحمه الله تعالى: حدثنا سعيد بن عفير قال حدثني ابن وهب عن يونس قال ابن شهاب: حدثني أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن قدر حوضي كما بين أيله وصنعاء من اليمن، وإن فيه من الأباريق بعدد نجوم السماء ". ووافقه على إخراجه مسلم بهذا اللفظ، وبلفظ " ما بين ناحيتي حوضي كما بين صنعاء والمدينة " وبلفظ " ترى فيه أباريق الذهب والفضة كعدد نجوم السماء ". وقال البخاري رحمه الله تعالى: حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا وهيب حدثنا عبد العزيز عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ليردن علي ناس من أصحابي الحوض حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني، فأقول أصحابي، فيقول لا تدري ما أحدثوا بعدك " ورواه مسلم بلفظ " إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليردن علي الحوض رجال ممن صاحبني حتى إذا رأيتهم ورفعوا إلي اختلجوا دوني، فلأقولن أي رب أصحابي، فليقالن لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ". وأما عن ابن عمر فقال البخاري رحمه الله تعالى: حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن عبيد الله حدثني نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أمامكم حوض كما بين جرباء وأذرح " ورواه مسلم بلفظ " ما بين ناحيتيه كما بين جرباء وأذرح " وزاد في رواية " فيه أباريق كنجوم السماء، من ورده فشرب منه لا يظمأ بعدها أبدا " زاد في أخرى: قال عبيد الله: " فسألته فقال: قريتين بالشام بينهما مسيرة ثلاث ليال ". وأما عن حارثة بن وهب فقال البخاري رحمه الله تعالى: حدثنا علي بن عبد الله حدثنا حرمي بن عمارة حدثنا شعبة عن معبد بن خالد أنه سمع حارثة بن وهب رضي الله عنه يقول: " سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر الحوض فقال: كما بين المدينة وصنعاء " وزاد ابن أبي عدي عن شعبة عن معبد بن خالد عن حارثه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قوله: " حوضه ما بين صنعاء والمدينة " فقال له المستورد: " ألم تسمعه قال الأواني؟ قال لا. قال المستورد: ترى فيه الآنية مثل الكواكب ". ورواه مسلم بهذا اللفظ. وأما عن جندب بن عبد الله فقال البخاري رحمه الله تعالى: حدثنا عبدان أخبرني أبي عن شعبة عن عبد الملك قال: سمعت جندبا قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " أنا فرطكم على الحوض " ورواه مسلم هكذا. وأما عن سهل بن سعد فقال البخاري رحمه الله تعالى: حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا محمد بن مطوف حدثني أبو حازم عن سهل بن سعد قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إني فرطكم على الحوض، من مر علي شرب ومن شرب لم يظمأ أبدا. ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم " قال أبو حازم فسمعني النعمان بن أبي عياش فقال: هكذا سمعت من سهل؟ فقلت نعم. فقال: أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته هو يزيد فيها " فأقول إنهم مني، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول سحقا سحقا لمن غير بعدي " ورواه مسلم وفيه " لمن بدل بعدي ". وأما عن عائشة فقال البخاري رحمه الله تعالى: حدثنا خالد بن يزيد الكاهلي حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عائشة رضي الله عنها قال: سألتها عن قوله تعالى: (إنا أعطيناك الكوثر) (الكوثر: 1) قالت: " نهر أعطيه نبيكم صلى الله عليه وسلم شاطئاه عليه در مجوف، آنيته كعدد النجوم ". وقال مسلم رحمه الله تعالى: حدثنا ابن أبي عمر حدثنا يحيى بن سليم عن ابن خثيم عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة أنه سمع عائشة رضي الله عنها تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو بين ظهراني أصحابه: " إني على الحوض أنتظر من يرد علي منكم فوالله ليقتطعن دوني رجال فلأقولن: أي رب مني ومن أمتي، فيقول: إنك لا تدري ما عملوا بعدك، ما زالوا يرجعون على أعقابهم ". وأما عن عقبة بن عامر فقال البخاري رحمه الله تعالى: حدثنا عمرو بن خالد حدثنا الليث عن يزيد عن أبي الخير عن عقبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ثم انصرف على المنبر فقال: " إني فرط لكم وأنا شهيد عليكم، وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض- أو مفاتيح الأرض- وإني والله ما أخاف أن تشركوا بعدي، ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها " ورواه مسلم بهذا اللفظ، وبلفظ " صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد ثم صعد المنبر كالمودع للأحياء والأموات فقال: إني فرطكم على الحوض وإن عرضه كما بين أيلة إلى الجحفة. إني لست أخشى عليكم أن تشركوا بعدي ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها وتقتتلوا فتهلكوا كما هلك من كان قبلكم ". قال عقبة: وكانت آخر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر. وأما عن عبد الله بن مسعود فقال البخاري رحمه الله تعالى: حدثنا يحيى بن حماد حدثنا أبو عوانة عن سليمان عن شقيق عن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أنا فرطكم على الحوض ". وحدثني عمرو بن علي حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن المغيرة قال: سمعت أبا وائل عن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أنا فرطكم على الحوض، وليرفعن رجال منكم ثم ليختلجن دوني فأقول: يا رب أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك " تابعه عاصم عن أبي وائل، وقال حصين عن أبي وائل عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وروى مسلم حديث ابن مسعود بلفظ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنا فرطكم على الحوض، ولأنازعن أقواما ثم لأغلبن عليهم فأقول: يا رب أصحابي أصحابي فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ". وأشار إلى حديث حذيفة بنحو رواية الأعمش ومغيرة. وأما عن أبي هريرة فقال البخاري رحمه الله تعالى: حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي حدثنا محمد بن فليح حدثنا أبي قال حدثنا هلال عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " بينا أنا قائم فإذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال هلم، فقلت إلى أين؟ قال إلى النار والله، قلت وما شأنهم؟ قال إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى، ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم قال هلم، قلت إلى أين؟ قال إلى النار والله، قلت ما شأنهم؟ قال إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم ". وله عنه أنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي فيحلأون عن الحوض فأقول: يا رب أصحابي، فيقول: إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهرى ". وله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي ". وقال مسلم رحمه الله تعالى: حدثنا عبد الرحمن بن سلام الجمحي حدثنا الربيع يعني ابن مسلم عن محمد بن زياد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لأذودن عن حوضي رجالا كما تذاد الغريبة من الإبل ". وله عن أبي حاتم عنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن حوضي أبعد من أيلة من عدن، لهو أشد بياضا من الثلج وأحلى من العسل باللبن، ولآنيته أكثر من عدد النجوم، وإني لأصد الناس عنه كما يصد الرجل إبل الناس عن حوضه. قالوا: يا رسول الله أتعرفنا يومئذ؟ قال: نعم، لكم سيما ليست لأحد من الأمم، تردون علي غرا محجلين من أثر الوضوء ". وأما عن عبد الله بن عمرو بن العاص فقال البخاري رحمه الله تعالى: حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا نافع بن عمر عن ابن أبي مليكة قال: قال عبد الله بن عمرو قال النبي صلى الله عليه وسلم: " حوضي مسيرة شهر ماؤه أبيض من اللبن وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء من شرب منها فلا يظمأ أبدا " ورواه مسلم بلفط " حوضي مسيرة شهر وزواياه سواء وماؤه أبيض من الورق وريحه أطيب من المسك وكيزانه كنجوم السماء فمن شرب منه فلا يظمأ بعده أبدا ". وأما عن ابن عباس فهو ما تقدم في أول الباب. وروى ابن جرير عن سعيد بن جبير عنه رضي الله عنه قال: الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب وفضة يجري على الياقوت والدر، ماؤه أبيض من الثلج وأحلى من العسل. وله عن عطاء بن السائب قال: قال لي محارب بن دثار: ما قال سعيد بن جبير في الكوثر؟ قلت: حدثنا عن ابن عباس أنه الخير الكثير. فقال: صدق والله، إنه للخير الكثير، ولكن حدثنا ابن عمر قال " (إنا أعطيناك الكوثر) (الكوثر: 1) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب يجري على الدر والياقوت ". وأما عن أسماء فقال البخاري رحمه الله تعالى: حدثنا سعيد بن أبي مريم عن نافع بن عمر قال حدثني ابن أبي مليكة عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني على الحوض حتى أنظر من يرد علي منكم، وسيؤخذ ناس دوني فأقول: يا رب مني ومن أمتي، فيقال: هل شعرت ما عملوا بعدك، والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم " وكان ابن أبي مليكة يقول: اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن عن ديننا. ورواه مسلم بسند حديث عبد الله بن عمرو متصلا بمتنه ولفظه كلفظ البخاري. وأما عن ثوبان فقال مسلم رحمه الله تعالى: حدثنا أبو غسان المسمعي ومحمد بن المثنى وابن بشار وألفاظهم متقاربة قالوا: حدثنا معاذ وهو ابن هشام حدثني أبي عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة اليعمري عن ثوبان رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: " إني لبعقر حوضي أذود الناس لأهل اليمن أضرب بعصاي حتى يرفض عليهم، فسئل عن عرضه فقال: من مقامي إلى عمان، وسئل عن شرابه فقال: أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل، يغت فيه ميزابان يمدانه من الجنة أحدهما من ذهب والآخر من ورق. وقال الترمذي رحمه الله تعالى: حدثنا محمد بن إسماعيل أنبأنا يحيى بن صالح أنبأنا محمد بن مهاجر عن العباس عن أبي سلام الحبشي قال: بعث إلي عمر بن عبد العزيز فحملت على البريد فلما دخل عليه قال: يا أمير المؤمنين، لقد شق علي مركبي البريد. فقال: يا أبا سلام ما أردت أن أشق عليك، ولكن بلغني عنك حديث تحدثه عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحوض فأحببت أن تشافهني به. قال أبو سلام حدثني ثوبان رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " حوضي من عدن إلى عمان البلقاء، ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وأكوابه عدد نجوم السماء، من شرب منه لم يظمأ بعدها أبدا، أول الناس ورودا عليه فقراء المهاجرين، الشعث رءوسا، الدنس ثيابا، الذين لا ينكحون المتنعمات ولا تفتح لهم السدد " قال عمر: لكني نكحت المتنعمات وفتحت لي السدد ونكحت فاطمة بنت عبد الملك، لا جرم إني لا أغسل رأسي حتى يشعث، ولا أغسل ثوبي الذي يلي جسدي حتى يتسخ. ورواه ابن ماجه بلفظ " إن حوضي ما بين عدن إلى إيلة أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل، أكاويبه كعدد نجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا " الحديث. وفيه قال: فبكى عمر حتى اخضلت لحيته. وفيه " ولا أدهن رأسي حتى يشعث ". وأما عن أبي ذر فقال مسلم رحمه الله تعالى: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم- واللفظ لابن أبي شيبة- قال إسحاق: أخبرنا- وقال الآخران حدثنا- عبد العزيز بن عبد الصمد العمي عن أبي عمران الجوني عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال: " قلت يا رسول الله، ما آنية الحوض؟ قال: والذي نفس محمد بيده لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء وكواكبها، ألا في الليلة المظلمة المصحية آنية الجنة من شرب منها لم يظمأ آخر ما عليه يشخب في ميزابان من الجنة من شرب منه لم يظمأ، عرضه مثل طوله ما بين عمان إلى أيلة، ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل " رواه الترمذي بهذا اللفظ وقال حسن صحيح غريب. وأما عن أم سلمة رضي الله عنها فقال مسلم بن الحجاج: حدثني يونس بن عبد الأعلى الصدفي أخبرني عبد الله بن وهب أخبرني عمرو وهو ابن الحارث أن بكيرا حدثه عن القاسم بن عباس الهاشمي عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: " كنت أسمع الناس يذكرون الحوض ولم أسمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان يوما من ذلك والجارية تمشطني فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أيها الناس. فقلت للجارية: استأخري عني. قالت: إنما دعا الرجال ولم يدع النساء. فقلت: إني من الناس. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لكم فرط على الحوض، فإياي لا يأتين أحدكم فيذب عني كما يذب البعير الضال، فأقول فيم هذا؟ فيقال: إنك لا تدري ما أحثوا بعدك فأقول سحقا ". وأما عن جابر بن سمرة فقال مسلم رحمه الله تعالى: حدثني الوليد بن شجاع بن الوليد السكوني حدثني أبي رحمه الله تعالى حدثني زياد بن خيثمة عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ألا إني فرط لكم على الحوض، وإن بعد ما بين طرفيه كما بين صنعاء وأيلة كأن الأباريق فيه النجوم ". وأما عن زيد بن أرقم فقال أبو داود رحمه الله تعالى: حدثنا حفص بن عمر النمري حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي حمزة عن زيد بن أرقم قال: " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلنا منزلا فقال: ما أنتم بجزء من مائة ألف جزء ممن يرد علي الحوض. قال قلت: كم كنتم يومئذ؟ قال: سبعمائة أو ثمانمائة ". وأما عن سمرة بن جندب فقال الترمذي رحمه الله تعالى: حدثنا أحمد بن نيزك البغدادي أنبأنا محمد بكار الدمشقي أنبينا سعيد بن بشير عن قتادة عن الحسن عن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن لكل نبي حوضا وإنهم يتباهون أيهم أكثر وارده، وإني أرجو أن أكون أكثرهم وارده " هذا حديث حسن غريب. وقد روى الأشعث بن عبد الملك هذا الحديث عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، ولم يذكر فيه عن سمرة وهو أصح. ا. هـ. وأما عن حذيفة فتقدمت الإشارة إليه عند الشيخين بعد روايتهما حديث ابن مسعود. وقال ابن ماجه رحمه الله تعالى: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا علي بن مسهر عن أبي مالك سعد بن طارق عن ربعي عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن حوضي لأبعد من أيلة إلى عدن، والذي نفسي بيده لآنيته أكثر من عدد النجوم، ولهو أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل، والذي نفسي بيده إني لأذود عنه الرجال كما يذود الرجل الإبل الغريبة عن حوضه. قيل يا رسول الله أتعرفنا؟ قال نعم، تردون علي غرا محجلين من أثر الوضوء ليست لأحد غيركم ". ورواه مسلم في الطهارة بهذا اللفظ وبهذا السند. وأما عن أبي برزة فقال أبو داود رحمه الله تعالى: حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا عبد السلام بن أبي حازم أبو طالوت قال: شهدت أبا برزة دخل على عبيد الله بن زياد فحدثني فلان سماه مسلم وكان في السماط فلما رآه عبيد الله قال: إن محمديكم هذا الدحداح، ففهمها الشيخ فقال: ما كنت أحسب أني أبقى في قوم يعيروني بصحبة محمد صلى الله عليه وسلم، فقال له عبيد الله: إن صحبة محمد صلى الله عليه وسلم لك زين غير شين، ثم قال: إنما بعثت إليك لأسألك عن الحوض، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر فيه شيئا؟ فقال أبو برزة: نعم، لا مرة ولا اثنتين ولا ثلاثا ولا أربعا ولا خمسا، فمن كذب به فلا سقاه الله منه، ثم خرج مغضبا. وأما عن المستورد فتقدم في المتفق عليه من حديث حارثة بن وهب. وأما حديث أبي سعيد الخدري فقال ابن ماجه رحمه الله تعالى: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا محمد بن بشر حدثنا زكريا حدثنا عطية عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن لي حوضا ما بين الكعبة وبيت المقدس، أبيض من اللبن آنيته عدد النجوم، وإني لأكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة ". وأما عن عبد الله بن زيد فرواه البخاري ومسلم عنه مطولا في قصة قسم غنائم حنين، وفي آخره قوله صلى الله عليه وسلم للأنصار رضي الله عنهم: " إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض ". وأما عن أسامة بن زيد فقال ابن جرير رحمه الله تعالى: حدثني البرني حدثنا ابن أبي مريم حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير أخبرني حرام بن عثمان عن عبد الرحمن الأعرج عن أسامة بن زيد " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى حمزة بن عبد المطلب فلم يجده فسأل عنه امرأته وكانت من بني النجار فقالت: خرج يا نبي الله عامدا نحوك، فأظنه أخطأك في بعض أزقة بني النجار. أولا تدخل يا رسول الله؟ فدخل، فقدمت إليه حيسا فأكل منه، فقالت: يا رسول الله هنيئا لك ومريئا، لقد جئت وأنا أريد أن آتيك لأهنيك وأمريك، أخبرني أبو عمارة أنك أعطيت نهرا في الجنة يدعى الكوثر. فقال: أجل وعرضه- يعني أرضه- ياقوت ومرجان وزبرجد ولؤلؤ ". قال ابن كثير رحمه الله تعالى: حرام بن عثمان ضعيف، ولكن هذا سياق حسن، وقد صح أصل هذا بل قد تواتر من طرق تفيد القطع عند كثير من أئمة الحديث. ا. هـ. قلت: وقد ذكرنا منها ما تيسر. وفي الباب عدة أحاديث غير ما ذكرنا، ولمن ذكرنا من الصحابة أحاديث أخر لم نذكرها ولهم روايات في الأصول التي عزونا إليها غير ما سقنا، وإنما أشرنا إشارة إلى بعضها لتعرف شهرة هذا الباب واستفاضته وتواتره مع الإيجاز والاختصار. ولله الحمد والمنة.
كذا له لواء حمد ينشر *** وتحته الرسل جميعا تحشر قال الترمذي رحمه الله تعالى: حدثنا الحسين بن يزيد الكوفي حدثنا عبد السلام بن حرب عن ليث عن الربيع بن أنس عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا، وأنا خطيبهم إذا وفدوا، وأنا مبشرهم إذا يئسوا، لواء الحمد يومئذ بيدي، وأنا أكرم على ربي ولا فخر " هذا حديث حسن غريب. وقال رحمه الله تعالى: حدثنا محمد بن بشار أنبأنا أبو عامر العقدي أنبأنا زهير بن محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " مثلي في النبيين كمثل رجل بنى دارا فأحسنها وأكملها وأجملها وترك منها موضع لبنة، فجعل الناس يطوفون بالبناء ويعجبون منه ويقولون: لو تم موضع تلك اللبنة، وأنا في النبيين موضع تلك اللبنة ". وبهذا الإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا كان يوم القيامة كنت إمام النبيين وخطيبهم وصاحب شفاعتهم غير فخر " هذا حديث حسن صحيح غريب. حدثنا ابن أبي عمر أنبأنا سفيان عن ابن جدعان عن أبي نضرة عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر " وفي الحديث قصة. هذا حديث حسن. وقال رحمه الله تعالى: حدثنا علي بن نصر بن علي الجهضمي أنبأنا عبيد الله بن عبد المجيد أنبأنا زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام عن عكرمة عن ابن عباس قال: جلس ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرونه، قال: فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون، فسمع حديثهم، فقال بعضهم: عجبا إن الله اتخذ من خلقه خليلا، اتخذ إبراهيم خليلا. وقال آخر: ماذا بأعجب من كلام موسى، كلمه تكليما. وقال آخر: فعيسى كلمة الله وروحه. وقال آخر: آدم اصطفاه الله. فخرج عليهم فسلم وقال: قد سمعت كلامكم وعجبكم، إن إبراهيم خليل الله وهو كذلك، وموسى نجي الله وهو كذلك، وعيسى روحه وكلمته وهو كذلك، وآدم اصطفاه الله تعالى وهو كذلك، ألا وأنا حبيب الله ولا فخر، وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول شافع وأول مشفع يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من يحرك حلق الجنة فيفتح الله لي فيدخلنيها ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر، وأنا أكرم الأولين والآخرين ولا فخر ". هذا حديث غريب. قلت: ومعناه ثابت في الآيات الصريحة والأحاديث الصحيحة كما جاء وكما سيأتي وكما هو معلوم عند من له خبرة بالعلم.
كذا له الشفاعة العظمى كما *** قد خصه الله بها تكرما من بعد إذن الله لا كما يرى *** كل قبوري على الله افترى (كذا له) لنبينا صلى الله عليه وسلم (الشفاعة العظمى) يوم القيامة وهو المقام المحمود الذي قال الله تعالى: (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) (الإسراء: 79) ولذا قلنا (قد خصه الله بها) بالشفاعة (تكرما) منه عز وجل عليه صلى الله عليه وسلم وعلى أمته به كما في الصحيح عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة " وفيه عنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم " لكل نبي دعوة قد دعا بها في أمته وخبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة " وفيه عن أنس رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: " لكل نبي دعوة دعاها لأمته وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة " وفيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فهي نائلة إن شاء الله تعالى من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا ". وفيه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم " تلا قول الله عز وجل في إبراهيم: (رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم) (إبراهيم: 36) وقال عيسى عليه السلام: (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) (المائدة: 118) فرفع يديه وقال: اللهم أمتي، وبكى. فقال الله عز وجل: يا جبريل اذهب إلى محمد- وربك أعلم- فسله: ما يبكيك. فأتاه جبريل عليه السلام فسأله فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال- وهو أعلم- فقال الله تعالى: يا جبريل اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك ". وفيه عنه رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت له الشفاعة ". وفيه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة ". وتلك الشفاعة لا تكون إلا من بعد إذن الله عز وجل، سواء في ذلك شفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم وشفاعة من دونه، وذلك الإذن يتعلق بالشافع والمشفوع فيه، وبوقت الشفاعة، فليس يشفع إلا من أذن الله له في الشفاعة، وليس له أن يشفع إلا بعد أن يأذن الله له وليس له أن يشفع إلا فيمن أذن الله تعالى له أن يشفع فيه، كما قال تعالى: (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) (البقرة: 255) (ما من شفيع إلا من بعد إذنه) (يونس: 3) (قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له) (سبأ: 23) (وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى) (النجم: 26) (قل لله الشفاعة جميعا) (الزمر: 44) (ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون) (الزخرف: 86) (لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا) (مريم: 87) (لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا) (النبأ: 38) (يؤمئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا) (طه: 109) (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون) (الأنبياء: 28)، وقال تعالى في الكفار: (فما تنفعهم شفاعة الشافعين) (المدثر: 48) (ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع) (غافر: 18) وقال عنهم: (فما لنا من شافعين ولا صديق حميم) (الشعراء: 100). وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون) (البقرة: 254). وسيأتي في ذكر الأحاديث مراجعة الرسل الشفاعة بينهم حتى تنتهي إلى نبينا صلى الله عليه وسلم وأنه يأتي فيستأذن ربه عز وجل ثم يسجد ويحمده بمحامد يعلمه تعالى إياها، ولم يزل كذلك حتى يؤذن له ويقال: ارفع رأسك وقل يسمع وسل تعط واشفع تشفع، وأنه يحد له حدا فيدخلهم الجنة ثم يرجع كذلك، وفي كل مرة يستأذن ويدعو حتى يؤذن له، ويحد له حدا حتى ينجو جميع الموحدين، وهكذا كل شافع بعده يسأل الشفاعة من مالكها حتى يؤذن له، إلى أن يقول الشفعاء لم يبق إلا من حبسه القرآن وحق عليه الخلود. والمقصود أن الشفاعة ملك لله عز وجل ولا تسأل إلا منه، كما لا تكون إلا بإذنه للشافع في المشفوع حين يأذن في الشفاعة. (لا كما يرى كل قبورى) نسبة إلى القبور لعبادته أهلها. (على الله افترى) في ما ينسبه إلى أهل القبور ويضيفه إليهم من التصرفات التي هي ملك لله عز وجل لا يقدر عليها غيره تعالى ولا شريك له فيها، ورتبوا على ذلك صرف العبادات إلى الأموات ودعاءهم إياهم والذبح والنذر لهم دون جبار الأرض والسماوات وسؤالهم منهم قضاء الحاجات ودفع الملمات وكشف الكربات والمكروهات معتقدين فيهم أنهم يسمعون دعاءهم ويستطيعون إجابتهم. وقد تقدم كشف عوارهم وهتك أستارهم بما يشفي ويكفي ولله الحمد والمنة. يشفع أولا إلى الرحمن *** في فصل القضاء بين أهل الموقف من بعد أن يطلبها الناس إلى *** كل أولي العزم الهداة الفضلا هذه الشفاعة الأولى لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهي أعظم الشفاعات، وهي المقام المحمود الذي ذكر الله عز وجل له ووعده إياه وأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسأل الله إياه له صلى الله عليه وسلم بعد كل أذان. وقال البخاري رحمه الله تعالى " باب قوله تعالى: (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) " (الإسراء: 79): حدثنا إسماعيل بن أبان حدثنا أبو الأحوص عن آدم بن علي قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول: " إن الناس يصيرون يوم القيامة جثا كل أمة تتبع نبيها يقولون: يا فلان اشفع، حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود ". وقال مسلم رحمه الله تعالى: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير واتفقا في سياق الحديث إلا ما يزيد أحدهما من الحرف بعد الحرف قالا: حدثنا محمد بن بشر حدثنا أبو حيان عن أبي زرعة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بلحم فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه، فنهس منها نهسة فقال: " أنا سيد الناس يوم القيامة، وهل تدرون بم ذاك؟ يجمع الله يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيد واحد فيسمعهم الداعي وينفذهم البصر وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون وما لا يحتملون، فيقول بعض الناس لبعض: ألا ترون ما أنتم فيه، ألا ترون ما قد بلغكم، ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيقول بعض الناس لبعض: ائتوا آدم، فيأتون آدم فيقولون: يا آدم أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه، ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول آدم: إن ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته، نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح. فيأتون نوحا عليه السلام فيقولون: يا نوح أنت أول الرسل إلى الأرض وسماك الله عبدا شكورا اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه، ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإنه قد كانت دعوة دعوت بها على قومي، نفسي نفسي، اذهبوا إلى إبراهيم صلى الله عليه وسلم. فيأتون إبراهيم فيقولون: أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض اشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه، ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم إبراهيم صلى الله عليه وسلم: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، وذكر كذباته، نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى. فيأتون موسى عليه السلام فيقولون: يا موسى أنت رسول الله فضلك الله برسالاته وبتكليمه على الناس، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه، ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم موسى عليه السلام: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، وإني قتلت نفسا لم أؤمر بقتلها، نفسي نفسي، اذهبوا إلى عيسى عليه السلام. فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى أنت رسول الله وكلمت الناس في المهد، وكلمة منه ألقاها إلى مريم وروح منه، فاشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه، ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم عيسى عليه السلام: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، ولم يذكر له ذنبا، نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم. فيأتوني فيقولون: يا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء وغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه، ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟ فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجدا لربي ثم يفتح الله علي ويلهمني من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه لأحد قبلي. ثم قال: يا محمد ارفع رأسك، سل تعطه، اشفع تشفع. فأرفع رأسي فأقول: يا رب أمتي أمتي، فيقال: يا محمد أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب، والذي نفس محمد بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة لكما بين مكة وهجر، أو كما بين مكة وبصرى ". قال: وحدثني زهير بن حرب حدثنا جرير عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال: وضعت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قصعة من ثريد ولحم فتناول الذراع وكانت أحب الشاة إليه فنهس نهسة فقال: " أنا سيد الناس يوم القيامة، ثم نهس أخرى فقال: أنا سيد الناس يوم القيامة، فلما رأى أصحابه لا يسألونه قال: ألا تقولون كيف؟ قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: يقوم الناس لرب العالمين " وساق الحديث بمعنى حديث أبي حيان عن أبي زرعة، وزاد في قصة إبراهيم فقال: وذكر قوله في الكوكب: هذا ربي، وقوله لآلهتهم: بل فعله كبيرهم هذا، وقوله: إني سقيم. قال: والذي نفس محمد بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة إلى عضادتي الباب لكما بين مكة وهجر، أو هجر ومكة، قال لا أدري أي ذلك قال ". وروى الإمام أحمد عن كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يبعث الناس يوم القيامة فأكون أنا وأمتي على تل، ويكسوني ربي عز وجل حلة خضراء، ثم يؤذن لي فأقول ما شاء الله تعالى أن أقول، فذلك المقام المحمود ". وسيأتي إن شاء الله تعالى في حديث أنس رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم: " يجمع الله الناس يوم القيامة فيهتمون لذلك- وفي لفظة: فيلهمون لذلك- فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا، قال فيأتون آدم " الحديث. وتقدم في حديث الصور قوله صلى الله عليه وسلم: " فتقفون موقفا واحدا مقداره سبعون عاما لا ينظر إليكم ولا يقضى بينكم، فتبكون حتى تنقطع الدموع، ثم تدمعون دما وتعرقون حتى يلجمكم العرق ويبلغ الأذقان وتقولون: من يشفع لنا إلى ربنا فيقضي بيننا؟ فتقولون: من أحق بذلك من أبيكم آدم، خلقه الله تعالى بيده ونفخ فيه من روحه وكلمه قبلا. فيأتون آدم فيطلبون ذلك إليه فيأتي ويقول: ما أنا بصاحب ذلك، فيستقرئون الأنبياء نبيا نبيا كلما جاءوا نبيا أبى عليهم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حتى يأتوني فأنطلق إلى الفحص فأخر ساجدا. قال أبو هريرة: يا رسول الله وما الفحص؟ قال قدام العرش حتى يبعث الله إلي ملكا فيأخذ بعضدي ويرفعني فيقول لي: يا محمد. فأقول: نعم يا رب. فيقول الله عز وجل: ما شأنك؟ وهو أعلم. فأقول: يا رب وعدتني الشفاعة فشفعني في خلقك فاقض بينهم. قال الله تعالى: قد شفعتك، أنا آتيكم أقضي بينكم " الحديث. وروى الإمام أحمد عن أنس رضي الله عنه قال: حدثني نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: " إني لقائم أنتظر أمتي تعبر على الصراط، إذ جاءني عيسى عليه السلام فقال: هذه الأنبياء قد جاءتك يا محمد يسألون- أو قال يجتمعون إليك- ويدعون الله أن يفرق بين جميع الأمم إلى حيث يشاء الله لغم جاءهم فيه، فالخلق ملجمون بالعرق، فأما المؤمن فهو عليه كالركمة، وأما الكافر فيغشاه الموت، فقال: انتظر حتى أرجع إليك. فذهب نبي الله صلى الله عليه وسلم فقام تحت العرش فلقي ما لم يلق ملك مصطفى ولا نبي مرسل، فأوحى الله عز وجل إلى جبريل أن اذهب إلى محمد وقل له: ارفع رأسك سل تعط واشفع تشفع " الحديث. وعند مسلم وغيره من حديث نزول القرآن على سبعة أحرف: " فلك بكل ردة رددتكها مسألة تسألنيها. فقلت: اللهم اغفر لأمتي، اللهم اغفر لأمتي، وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي الخلق كلهم حتى إبراهيم صلى الله عليه وسلم ".
وثانيا يشفع في استفتاح *** دار النعيم لأولي الفلاح هذا وهاتان الشفاعتان *** قد خصتا به بلا نكران هذه الشفاعة الثانية في استفتاح باب الجنة، وقد جاء في الأحاديث أنها أيضا من المقام المحمود، وقال مسلم رحمه الله تعالى: حدثنا قتيبة بن سعيد وإسحاق بن إبراهيم. قال قتيبة: حدثنا جرير عن المختار بن فلفل عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنا أول الناس يشفع في الجنة وأنا أكثر الأنبياء تبعا ". وحدثنا أبو كريب محمد بن العلاء حدثنا معاوية بن هشام عن سفيان عن المختار بن فلفل عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنا أكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة، وأنا أول من يقرع باب الجنة ". وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حسين بن علي عن زائدة عن المختار بن فلفل قال: قال أنس بن مالك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أنا أول شفيع في الجنة، لم يصدق نبي من الأنبياء ما صدقت، وإن من الأنبياء نبيا ما يصدقه من أمته إلا رجل واحد ". وحدثني عمرو الناقد وزهير بن حرب قالا: حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " آتي باب الجنة يوم القيامة فأستفتح فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد. فيقول: بك أمرت لا أفتح لأحد قبلك ". قال: حدثنا محمد بن طريف بن خليفة البجلي حدثنا محمد بن فضيل حدثنا أبو مالك الأشجعي عن أبي حازم عن أبي هريرة، وأبو مالك عن ربعي عن حذيفة رضي الله عنه قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يجمع الله تبارك وتعالى الناس فيقوم المؤمنون حتى تزلف لهم الجنة، فيأتون آدم فيقولون: يا أبانا استفتح لنا الجنة، فيقول: وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم آدم؟ لست بصاحب ذلك، اذهبوا إلى ابني إبراهيم خليل الله عز وجل. قال فيقول إبراهيم: لست بصاحب ذلك وإنما كنت خليلا من وراء وراء، اعمدوا إلى موسى الذي كلمه الله تعالى تكلما. فيأتون موسى عليه السلام فيقول: لست بصاحب ذلك، اذهبوا إلى عيسى كلمة الله تعالى وروحه، فيقول عيسى عليه السلام: لست بصاحب ذلك، فيأتون محمدا صلى الله عليه وسلم فيقوم فيؤذن له، وترسل الأمانة والرحم فتقومان جنبتي الصراط فيمر أولكم كالبرق " الحديث- تقدم باقيه في الصراط. وقال البخاري رحمه الله تعالى: حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عبيد الله بن أبي جعفر قال: سمعت حمزة بن عبد الله بن عمر قال: سمعت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم، وقال: إن الشمس تدنو يوم القيامة حتى يبلغ العرق نصف الأذن. فبينما هم كذلك استغاثوا بآدم ثم بموسى ثم بمحمد صلى الله عليه وسلم ". وزاد عبد الله: حدثني الليث قال حدثني ابن أبي جعفر " فيشفع ليقضي بين الخلق، فيمشي حتى يأخذ بحلقة الباب فيومئذ يبعثه الله مقاما محمودا يحمده أهل الجمع كلهم ". ففي هذا الحديث الجمع بين ذكر الشفاعتين الأولى في فصل القضاء والثانية في استفتاح باب الجنة، وسمى ذلك كله المقام المحمود. (هذا) أي ما ذكر (وهاتان الشفاعتان) المذكورتان اللتان هما المقام المحمود (قد خصتا) أي جعلهما الله تعالى خاصتين (به) أي بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وليستا لأحد غيره (بلا نكران) بين أهل السنة والجماعة، بل ولم ينكرهما المعتزلة الذين أنكروا الشفاعة الثالثة في إخراج عصاة الموحدين من النار، وهي المشار إليها بقولنا: وثالثا يشفع في أقوام *** ماتوا على دين الهدى الإسلام وأوبقتهم كثرة الآثام *** فأدخلوا النار بذا الإجرام أن يخرجوا منها إلى الجنان *** بفضل رب العرش ذي الإحسان فهذه الشفاعة حق يؤمن بها أهل السنة والجماعة كما آمن بها الصحابة رضوان الله تعالى عليهم ودرج على الإيمان بذلك التابعون لهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأنكرها في آخر عصر الصحابة الخوارج وأنكرها في عصر التابعين المعتزلة وقالوا بخلود من دخل النار من عصاة الموحدين الذين يشهدون أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ويشهدون أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويصومون رمضان ويحجون البيت الحرام ويسألون الله الجنة ويستعيذون به من النار في كل صلاة ودعاء، غير أنهم ماتوا مصرين على معصية عملية عالمين بتحريمها معتقدين مؤمنين بما جاء فيه الوعيد الشديد، فقضوا بتخليدهم في جهنم مع فرعون وهامان وقارون، فجحدوا قول الله عز وجل: (أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أن نجعل المتقين كالفجار) (ص: 28) وقوله عز وجل: (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون) (الجاثية: 21) وقولَه تعالى: (أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون أفلا تذكرون) (القلم: 35) وغيرها من الآيات، وسائر الأحاديث الواردة. وقال البخاري رحمه الله تعالى: وقال حجاج بن منهال حدثنا همام بن يحيى حدثنا قتادة عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يحبس المؤمنون يوم القيامة حتى يهموا بذلك فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا فيريحنا من مكاننا، فيأتون آدم فيقولون: أنت أبو الناس خلقك الله بيده وأسكنك جنته وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء لتشفع لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا. قال فيقول: لست هناكم. قال ويذكر خطيئته التي أصاب أكله من الشجرة وقد نهي عنها، ولكن ائتوا نوحا أول نبي بعثه الله تعالى إلى أهل الأرض. فيأتون نوحا فيقول: لست هناكم. ويذكر خطيئته التي أصاب سؤاله ربه بغير علم، ولكن ائتوا إبراهيم خليل الرحمن. قال فيأتون إبراهيم فيقول: إني لست هناكم. ويذكر ثلاث كلمات كذبهن، ولكن ائتوا موسى عبدا آتاه الله التوراة وكلمه وقربه نجيا. قال فيأتون موسى فيقول: إني لست هناكم. ويذكر خطيئته التي أصاب قتله النفس، ولكن ائتوا عيسى عبد الله ورسوله وروح الله تعالى وكلمته. قال فيأتون عيسى فيقول: لست هناكم، ولكن ائتوا محمدا صلى الله عليه وسلم عبدا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. فيأتوني فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي، فإذا رأيته وقعت ساجدا، فيدعني ما شاء الله تعالى أن يدعني فيقول: ارفع محمد وقل يسمع واشفع تشفع وسل تعط. قال: فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه، ثم أشفع فيحد لي حدا فأخرج فأدخلهم الجنة ". قال قتادة: وقد سمعته يقول: " فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة، ثم أعود فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه، فإذا رأيته وقعت له ساجدا فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقول: ارفع محمد وقل يسمع واشفع تشفع وسل تعط. قال: فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه، قال: ثم أشفع فيحد لي حدا فأخرج فأدخلهم الجنة " قال قتادة: وسمعته يقول: " فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة، ثم أعود الثالث فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه، فإذا رأيته وقعت ساجدا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقول: ارفع محمد وقل يسمع واشفع تشفع وسل تعط. قال: فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه، قال ثم أشفع فيحد لي فأخرج فأدخلهم الجنة ". قال قتادة: وقد سمعته يقول: " فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة حتى ما يبقى في النار إلا من حبسه القرآن " أي وجب عليه الخلود. قال: ثم تلا هذه الآية: (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) (الإسراء: 79) قال: وهذا المقام المحمود الذي وعده نبيكم صلى الله عليه وسلم. وقال أيضا: حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يجمع الله الناس يوم القيامة فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا حتى يريحنا من مكاننا- وذكره مختصرا، وقال في الثالثة أو الرابعة- حتى ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن " وكان قتادة يقول عند هذا: أي وجب عليه الخلود ". ورواه مسلم من طرق بنحوه، وقال رحمه الله تعالى: حدثنا أبو الربيع العتكي حدثنا حماد بن زيد حدثنا معبد بن هلال العنزي. ح. وحدثنا سعيد بن منصور- واللفظ له- حدثنا حماد بن زيد حدثنا معبد بن هلال العنزي قال: انطلقنا إلى أنس بن مالك، وتشفعنا بثابت، فانتهينا إليه وهو يصلي الضحي، فاستأذن لنا ثابت فدخلنا عليه وأجلس ثابتا معه على سريره فقال: يا أبا حمزة إن إخوانك من أهل البصرة يسألونك أن تحدثهم حديث الشفاعة. قال: حدثنا محمد صلى الله عليه وسلم قال: " إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم إلى بعض، فيأتون آدم فيقولون له: اشفع لذريتك. فيقول: لست لها، ولكن عليكم بإبراهيم عليه السلام فإنه خليل الله. فيأتون إبراهيم فيقول: لست لها، ولكن عليكم بموسى عليه السلام فإنه كليم الله. فيؤتى موسى فيقول: لست لها، ولكن عليكم بعيسى عليه السلام فإنه روح الله وكلمته. فيؤتى عيسى فيقول: لست لها، ولكن عليكم بمحمد صلى الله عليه وسلم. فأوتى فأقول: أنا لها، فأنطلق فأستأذن على ربي فيؤذن لي، فأقوم بين يديه فأحمده بمحامد لا أقدر عليه الآن يلهمنيه الله، ثم أخر له ساجدا فيقال لي: يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعطه واشفع تشفع. فأقول: رب أمتي أمتي، فيقال: انطلق فمن كان في قلبه مثقال حبة من برة أو شعيرة من إيمان فأخرجه منها. فأنطلق فأفعل، ثم أرجع إلى ربي فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا له فيقال لي: يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعطه واشفع تشفع. فأقول: أمتي أمتي. فيقال لي: انطلق، فمن كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه منها. فأنطلق فأفعل ثم أعود إلى ربي عز وجل فأحمده تلك المحامد، ثم أخر له ساجدا فيقال لي: يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعطه واشفع تشفع. فأقول: يا رب أمتي. فيقال لي: انطلق، فمن كان في قلبه أدنى أدنى من مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه من النار. فأنطلق فأفعل " هذا حديث أنس الذي أنبأنا به، فخرجنا من عنده فلما كنا بظهر الجبان قلنا: لو ملنا إلى الحسن فسلمنا عليه وهو مستحف في دار أبي خليفة. قال فدخلنا عليه فسلمنا عليه فقلنا: يا أبا سعيد جئنا من عند أخيك أبي حمزة فلم نسمع مثل حديث حدثناه في الشفاعة. قال هيه. فحدثناه الحديث. فقال: هيه. قلنا: ما زادنا. قال: قد حدثنا به منذ عشرين سنة، وهو يومئذ جميع، ولقد ترك شيئا ما أدري أنسي الشيخ أو كره أن يحدثكم فتتكلوا، قلنا له: حدثنا. فضحك وقال: خلق الإنسان من عجل، ما ذكرت لكم هذا إلا وأنا أريد أن أحدثكموه " ثم أرجع إلى ربي في الرابعة فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا، فيقال لي: يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع. فأقول: يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله. قال: ليس ذاك لك- أو قال ليس ذاك إليك- ولكن وعزتي وكبريائي وعظمتي وجبريائي لأخرجن من قال لا إله إلا الله " قال: فأشهد على الحسن أنه حدثنا به أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه أراه قال: قبل عشرين سنة وهو يومئذ جميع. وقال أيضا: حدثنا محمد بن منهال الضرير حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد بن أبي عروبة وهشام صاحب الدستوائي عن قتادة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ح وحدثني أبو غسان المسمعي ومحمد بن المثنى قالا: حدثنا معاذ وهو بن هشام قال: حدثني أبي عن قتادة حدثنا أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة. ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن برة. ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن ذرة ". زاد ابن منهال في روايته قال يزيد: فلقيت شعبة فحدثته بالحديث فقال شعبة: حدثنا به قتادة عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم بالحديث، إلا أن شعبة جعل مكان الذرة ذُرَة، قال يزيد: صحف فيها أبو بسطام. وقال رحمه الله تعالى: حدثنا حجاج بن الشاعر حدثنا الفضل بن دكين حدثنا أبو عاصم يعني محمد بن أبي أيوب قال حدثني يزيد الفقير قال كنت قد شغفني رأي من رأي الخوارج فخرجنا في عصابة ذوي عدد نريد أن نحج، ثم نخرج على الناس، قال فمررنا على المدينة فإذا جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يحدث القوم جالس إلى سارية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فإذا هو قد ذكر الجهنميين قال فقلت له: يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذا الذي تحدثون والله تعالى يقول: (إنك من تدخل النار فقد أخزيته) (آل عمران 192) و (كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها) (الحج: 22) فما هذا الذي تقولون؟ قال فقال: أتقرأ القرآن؟ قلت: نعم. قال: فهل سمعت بمقام محمد صلى الله عليه وسلم يعني الذي يبعثه الله فيه؟ قلت: نعم. قال فإنه مقام محمد صلى الله عليه وسلم المحمود الذي يخرج الله به من يخرج. قال: ثم نعت وضع الصراط ومر الناس عليه، قال: وأخاف أن لا أكون أحفظ ذاك، قال: غير أنه قد زعم أن قوما يخرجون من النار بعد أن يكونوا فيها. قال: يعني فيخرجون كأنهم عيدان السماسم، قال: فيدخلون نهرا من أنهار الجنة فيغتسلون فيه فيخرجون كأنهم القراطيس، فرجعنا قلنا: ويحكم أترون الشيخ يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرجعنا فلا والله ما خرج منا غير رجل واحد، أو كما قال أبو نعيم. وقال رحمه الله تعالى: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو، سمع جابرا رضي الله عنه يقول: سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم بأذنه يقول: إن الله يخرج ناسا من النار فيدخلهم الجنة ". وفي رواية له عن حماد بن زيد قال: قلت لعمرو بن دينار: " أسمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله يخرج قوما من النار بالشفاعة؟ قال: نعم. " ورواه البخاري. وفي رواية له أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يخرج قوم من النار بالشفاعة كأنهم الثعارير " قال الضغابيس وكان قد سقط فمه. وقال: حدثنا هدبة بن خالد حدثنا همام عن قتادة حدثنا أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يخرج قوم من النار بعد ما مسهم منها سفع، فيدخلون الجنة، فيسميهم أهل الجنة الجهنميين ". وقال رحمه الله تعالى: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا إسماعيل بن جعفر عن عمرو عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قلت يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ فقال: " لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك، لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه ". وهذه الشفاعة الثالثة قد فسر بها المقام المحمود أيضا كما في حديث أنس وحديث جابر رضي الله عنهما فيكون المقام المحمود عاما لجميع الشفاعات التي أوتيها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، لكن جمهور المفسرين فسروه بالشفاعتين الأوليين لاختصاصه صلى الله عليه وسلم بهما دون غيره من عباد الله المكرمين، وأما هذه الشفاعة الثالثة فهي وإن كانت من المقام المحمود الذي وعده فليست خاصة به صلى الله عليه وسلم بل يؤتاها كثير من عباد الله المخلصين، ولكن هو صلى الله عليه وسلم المقدم فيها، ولم يشفع أحد من خلق الله تعالى في مثل ما يشفع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يدانيه في ذلك ملك مقرب ولا نبي مرسل، ثم بعده يشفع من أذن الله تعالى له من الملائكة المقربين والأنبياء والمرسلين والصديقين والشهداء والصالحين وسائر أولياء الله تعالى من المؤمنين المتقين، ويشفع الأفراط كل منهم يكرمه الله تعالى على قدر ما هو له أهل، ثم يخرج الله تعالى من النار برحمته أقواما بدون شفاعة الشافعين، ولذا قلنا في ذلك: وبعده يشفع كل مرسل *** وكل عبد ذي صلاح وولي ويخرج الله من النيران *** جميع من مات على الإيمان في نهر الحياة يطرحونا *** فحما فيحيون وينبتونا كأنما ينبت في هيآته *** عب حميل السيل في حافاته تقدم في حديث أبي هريرة المتفق عليه في طريق الرؤية قول النبي صلى الله عليه وسلم: " حتى إذا فرغ الله تعالى من فصل القضاء بين العباد وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار، أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئا ممن أراد الله تعالى أن يرحمه ممن يشهد أن لا إله إلا الله فيعرفونهم في النار بأثر السجود تأكل النار من ابن أدم إلا أثر السجود حرم الله على النار أن تأكل أثر السجود، فيخرجون من النار قد امتحشوا فيصب عليهم ماء الحياة فينبتون تحته كما تنبت الحبة في حميل السيل، ثم يفرغ الله تعالى من القضاء بين العباد ويبقى رجل مقبل بوجهه على النار هو آخر أهل النار دخولا الجنة ". الحديث تقدم بطوله. وتقدم حديث أبي سعيد المتفق عليه أيضا بطوله- وفيه في نعت المرور على الصراط: " حتى يمر آخرهم يسحب سحبا، فما أنتم بأشد لي مناشدة في الحق، قد تبين لكم من المؤمن يومئذ للجبار إذا رأوا أنهم قد نجوا في إخوانهم يقولون: ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ويعملون معنا فيقول الله تعالى: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من إيمان فأخرجوه، ويحرم الله تعالى صورهم على النار فيأتونهم وبعضهم قد غار في النار إلى قدمه وإلى أنصاف ساقيه فيخرجون من عرفوا ثم يعودون، فيقول: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار فأخرجوه فيخرجون من عرفوا ثم يعودون، فيقول: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه فيخرجون من عرفوا، قال أبو سعيد: فإن لم تصدقوني فاقرأوا: (إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها) (النساء: 40) فيشفع النبيون والملائكة والمؤمنون، فيقول الجبار: بقيت شفاعتي فيقبض قبضة من النار فيخرج أقواما قد امتحشوا فيلقون في نهر بأفواه الجنة يقال له ماء الحياة فينبتون في حافتيه كما تنبت الحبة في حميل السيل قد رأيتموها إلى جانب الصخرة إلى جانب الشجرة، فما كان إلى الشمس منها كان أخضر، وما كان إلى الظل كان أبيض، فيخرجون كأنهم اللؤلؤ فيجعل في رقابهم الخواتيم فيدخلون الجنة، فيقول أهل الجنة: هؤلاء عتقاء الرحمن، أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه، فيقال لهم: لكم ما رأيتم ومثله معه ". وفي لفظ مسلم " حتى إذا خلص المؤمنون من النار، فوالذي نفسي بيده ما منكم من أحد بأشد مناشدة لله في استقصاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار، يقولون: ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون معنا ويحجون، فيقال لهم: أخرجوا من عرفتم فتحرم صورهم على النار، فيخرجون خلقا كثيرا قد أخذت النار إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه، ثم يقولون: ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به، فيقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها أحدا ممن أمرتنا بهم يقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا أحدا ثم يقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه، فيخرجون كثيرا ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها خيرا ". وكان أبو سعيد الخدري رضي الله عنه يقول: إن لم تصدقوني بهذا الحديث فاقرأوا إن شئتم: (إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما) (النساء: 40) فيقول الله عز وجل: شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل، ألا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشجر؛ ما يكون منها إلى الشمس أصيفر وأخيضر، وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض. فقالوا: يا رسول الله كأنك كنت ترعى بالبادية، قال فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم يعرفهم أهل الجنة هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه، ثم يقول: ادخلوا الجنة فما رأيتموه فهو لكم، فيقولون: ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين، فيقول: لكم عندي أفضل من هذا فيقولون: ربنا أي شيء أفضل من هذا؟ فيقول: رضاي فلا أسخط عليكم بعده أبدا ". وفيهما من حديثه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يدخل الله أهل الجنة الجنة، يدخل من يشاء في رحمته، ويدخل أهل النار النار ثم يقول: انظروا من وجدتم في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجوه، فيخرجون منها حمما قد امتحشوا فيلقون في نهر الحياة أو الحيا فينبتون فيه كما تنبت الحبة إلى جانب السيل، ألم تروها كيف تخرج صفراء ملتوية- وفي رواية لمسلم: كما تنبت الغثاءة في جانب السيل ". وله عنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم- أو قال بخطاياهم- فأماتهم إماتة حتى إذا كانوا فحما أذن بالشفاعة فجيء بهم ضبائر ضبائر فبثوا على أنهار الجنة ثم قيل: يا أهل الجنة أفيضوا عليهم، فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل. فقال رجل من القوم: كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان بالبادية ". وللترمذي عن أبي أمامة رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا لا حساب عليهم ولا عذاب مع كل ألف سبعون ألفا وثلاث حثيات من حثيات ربي " هذا حديث حسن غريب. وله عن عبد الله بن شقيق قال: كنت مع رهط بإيلياء فقال رجل منهم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من بني تميم. قيل: يا رسول سواك؟ قال: سواي ". فلما قام قلت: من هذا؟ قالوا: هذا ابن أبي الجذعاء. هذا حديث حسن صحيح غريب، وابن أبي الجذعاء هو عبد الله، وإنما يعرف له هذا الحديث الواحد. ورواه ابن ماجه. وللترمذي أيضا عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن من أمتي من يشفع للفئام من الناس، منهم من يشفع للقبيلة ومنهم من يشفع للعصبة ومنهم من يشفع للرجل حتى يدخلوا الجنة " هذا حديث حسن. وروى أبو داود عن عمران بن حصين رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يخرج قوم من النار بشفاعة محمد فيدخلون الجنة ويسمون الجهنميين " ورواه ابن ماجه. وله عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خيرت بين الشفاعة وبين أن يدخل نصف أمتي الجنة فاخترت الشفاعة لأنها أعم وأكفى، ترونها للمتقين، لا ولكنها للمذنبين الخطائين المتلوثين. وله عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أتدرون ما خيرني ربي الليلة؟ قلنا: الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أعلم، قال: فإنه خيرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة فاخترت الشفاعة. قلنا: يا رسول الله ادع الله أن يجعلنا من أهلها، قال: هي لكل مسلم ". ورواه الترمذي بلفظ " فاخترت الشفاعة وهي لمن مات لا يشرك بالله شيئا ". والأحاديث في هذا الباب كثيرة جدا مشهورة مستفيضة بل متواترة، وقد ذكرنا منها ما فيه كفاية، وتقدم في أحاديث الرؤية جملة منها عن جماعة من الصحابة، وبقي من النصوص في هذا الباب كثير، وبالله التوفيق.
|